قال ابن كثير (رحمه الله) تحت عنوان : “خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما)” : : قد ذكرنا أن علياً (رضي الله عنه) لما ضربه ابن ملجم قالوا له : استخلف يا أمير المؤمنين ؛ فقال : لا ، ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) – يعني بغير استخلاف – ؛ فإن يرد الله بكم خيراً يجمعكم على خيركم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . فلما توفي وصلى عليه ابنه الحسن – لأنه أكبر بنيه (رضي الله عنهم) – ، ودفن – كما ذكرنا – بدار الإمارة على الصحيح من أقوال الناس ؛ فلما فرغ من شأنه : كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي (رضي الله عنه) قيس بن سعد بن عبادة ؛ فقال له : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه . فسكت الحسن ، فبايعه ، ثم بايعه الناس بعده … ومن يومئذ وَلِي الحسن بن علي ؛ وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان ، تحت يده أربعون ألف مقاتل ، قد بايعوا علياً على الموت ؛ فلما مات علي : ألح قيس بن سعد على الحسن في النفير لقتال أهل الشام ؛ فعزل قيساً عن إمرة أذربيجان ، وولى عبيدالله بن عباس عليها ، ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحداً ، ولكن غلبوه على رأيه ، فاجتمعوا اجتماعاً عظيماً لم يسمع بمثله ، فأمّر الحسن بن علي قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفاً بين يديه ، وسار هو بالجيوش في أثره قاصداً بلاد الشام ، ليقاتل معاوية وأهل الشام ؛ فلما اجتاز بالمدائن نزلها ، وقدم المقدمة بين يديه . فبينما هو في المدائن معسكراً بظاهرها : إذ صرخ في الناس صارخ : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل ؛ فثار الناس ، فانتهبوا أمتعة بعضهم بعضاً ، حتى انتهبوا سرادق الحسن ، حتى نازعوه بساطاً كان جالساً عليه ، وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أثبتوه وأشوته ، فكرههم الحسن كراهية شديدة ، وركب فدخل القصر الأبيض من المدائن ، فنزله وهو جريح ؛ وكان عامله على المدائن سعد بن مسعود الثقفي – أخو أبي عبيد صاحب يوم الجسر – ؛ فلما استقر الجيش بالقصر : قال المختار بن أبي عبيد (قبحه الله) لعمه سعد بن مسعود : هل لك في الشرف والغنى ؟ قال : ماذا ؟ قال : تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعثه إلى معاوية ، فقال له عمه : قبحكم الله ، وقبح ما جئت به ؛ أغدر بابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ ولما رأى الحسن بن علي تفرق جيشه عليه : مقتهم ؛ وكتب عند ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان – وكان قد ركب في أهل الشام فنزل “مسكن” – يراوضه على الصلح بينهما ، فبعث إليه معاوية عبدالله بن عامر وعبدالرحمن بن سمرة ، فقدما عليه الكوفة ، فبذلا له ما أراد من الأموال ، فاشترط أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف درهم ، وأن يكون خراج دار “أبجرد” له ، وأن لا يسب علي وهو يسمع ؛ فإذا فعل ذلك : نزل عن الإمرة لمعاوية ، ويحقن الدماء بين المسلمين . فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية … ثم المشهور أن مبايعة الحسن لمعاوية كانت في سنة أربعين ، ولهذا يقال له عام الجماعة ، لاجتماع الكلمة فيه على معاوية . قال ابن جرير : وفي هذه السنة بويع لمعاوية بـ “إيلياء” ؛ يعني لما مات علي : قام أهل الشام فبايعوا معاوية على إمرة المؤمنين ، لأنه لم يبق له عندهم منازع ، فعند ذلك أقام أهل العراق الحسن بن علي (رضي الله عنه) ليمانعوا به أهل الشام ؛ فلم يتم لهم ما أرادوه وما حاولوه ، وإنما كان خذلانهم من قبل تدبيرهم وآرائهم المختلفة المخالفة لأمرائهم [54]
___________________________________________________
ملاحظة : للوقوف على المصادر ومواطن العزو ، يرجى تنزيل رسالة : صلح الحسن