ذكرنا فيما مضى بعضاً من المرويات في فضائل الحسن بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) ، ونعرّج الآن لذكر شيء من ذلك مما ورد في حق معاوية (رضي الله عنه) . وليُعلم أن حصر فضائل معاوية وما جاء فيه من ممادح السلف والعلماء ليست غايتنا في هذا المختصر ، ولكن لا بأس من ذكر بعضها ، ولعلنا نقتصر على ما جاء عن أئمة آل البيت (رضي الله عنهم) .
ولد معاوية (رضي الله عنه) قبل البعثة بخمس سنين ، وأجمع العلماء على إسلامه يوم الفتح ، وإن كان يرى البعض أنه أسلم قبل ذلك ؛ وحدده بعام عمرة القضاء (أي : 7 هــ) ، وأخفى إسلامه حتى فتح مكة خوفاً من أبيه ، ولم يظهره إلا في فتح مكة ؛ ولذلك ظن كثير من المؤرخين أنه من مسلمة الفتح . أما قول البعض أنه عيّر أباه بإسلامه ، فهذا كذب بالاتفاق من أهل العلم بالحديث ، كما ذكر شيخ الإسلام (رحمه الله) .
توفي معاوية عام 60 هـ ، وكان قد تولى الخلافة بعد صلحه مع الحسن (رضي الله عنهما) عام 41 هـ .
جاء فيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به» [46].
وقال فيه أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب» [47].
وعن أم حرام أنها سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا (أي : وجبت لهم الجنة)» . قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله ، أنا فيهم ؟ قال : «أنت فيهم» ؛ ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» ؛ فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : «لا» [48].
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك ، عن خالته أم حرام بنت ملحان ، قالت : نام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً قريباً مني ، ثم استيقظ يبتسم ، فقلت : ما أضحكك ؟ قال : «أناس من أمتي عُرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة» ؛ قالت: فادع الله أن يجعلني منهم ؛ فدعا لها . ثم نام الثانية ، ففعل مثلها ، فقالت قولها ، فأجابها مثلها ؛ فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ؛ فقال : «أنت من الأولين» ؛ فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية ، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين ، فنزلوا الشام ، فَقُرِّبت إليها دابة لتركبها ، فصرعتها فماتت [49].
ومعلوم أن أول جيش غزا البحر كان لفتح جزيرة قبرص تحت أمرة معاوية أيام عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عام 27 هـ .
وحصار القسطنطينية كان في عهد معاوية (رضي الله عنه) .
وعن عبدالله بن العبّاس (رضي الله عنهما) قال : ما رأيت أحداً كان أحقّ بالملك من معاوية . للَّه درّه ، إن كان لحليماً ، وإن كان الناس لينزلون منه بأرجاء واد خصب . لم يكن بالضيّق الليّق المتصعّب الحصوص (يعني الذي يحاصّ في كلّ شيء) [50] .
وقيل له (أي : ابن عباس (رضي الله عنهما)) : هل لك في أمير المؤمنين معاوية ، فإنه ما أوتر الا بواحدة ؟ قال : إنه فقيه [51].
وعن عتبة بن مسعود قال : مرّ بنا نعي معاوية بن أبي سفيان ونحن بالمسجد الحرام ، قال : فقمنا ، فأتينا ابن عباس ، فوجدناه جالساً قد وضع له الخوان وعنده نفر ؛ فقلنا : أما علمت بهذا الخبر يا ابن عباس ؟ قال : وما هو ؟ قلنا : هلك معاوية ؛ فقال : ارفع الخوان يا غلام ؛ وسكت ساعة ، ثمّ قال : جبل تزعزع ثمّ مال بكلكله . أما والله ما كان كمن قبله ، ولما يكن بعده مثله . اللهم أنت أوسع لمعاوية فينا وفي بني عمنا هؤلاء لذي لبّ معتبر ؛ اشتجرنا بيننا ، فقتل صاحبَهم غيرُنا ، وقتل صاحبَنا غيرُهم ؛ وما أغراهم بنا إلا أنّهم لا يجدون مثلنا ، وما أغرانا بهم إلاّ أنّا لا نجد مثلهم ؛ كما قال القائل : ما لك تظلمني ؟ قال : لا أجد من أظلم غيرك . ووالله إن ابنه لخير أهله . أعد طعامك يا غلام [52].
وهذا الحسين (رضي الله عنه) لما بلغه وفاة معاوية قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ورحم الله معاوية ، وعظم لك الأجر [53].
والأقوال في مدح وتعظيم معاوية (رضي الله عنه) كثيرة جداً لا يسعنا حصرها في هذا المختصر ، فضلاً عن أننا – كما ذكرنا – رأينا الاقتصار على ما جاء من طرق آل البيت (رضي الله عنهم).
___________________________________________________
ملاحظة : للوقوف على المصادر ومواطن العزو ، يرجى تنزيل رسالة : صلح الحسن