((ما يدل على فضل وفقه أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه في الأثر لولا علي لهلك عمر))
إن قول أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه: ((لولا علي لهلك عمر)) وغيره من مثله فيما ينسب إليه إن صح وثبت نسبته إليه فإنه يدل على أنه وقافاً عند كل حق يأخذ به، ولوكان مع غيره يرجع إليه إذا تبين وظهر لديه أن الحق خلاف ما ذهب اليه في أي مسألة من المسائل، أو قضية من القضايا، وهذا دليل واضح جلي على فضله وفقهه.
نعم، أرأيت إن كنت أنا وأنت في محل لبيع الثوب مثلاً، ثم رأيت أنا ثوباً فأخذته ورأيت أنت ثوباً آخر فأخذته، ثم جئتني فقلت لي انظر إلى هذا الثوب كم هو جميل فلما رأيته أنا أخذته وتركت الثوب الذي رأيته وأخذته والذي كان في يدي، وقلت لك أنك ذو ذوق طيب حسن جميل، ألا ترى معي بأن هذا الصنيع مني يدل على أنني أيضاً ذا ذوق طيب حسن جميل، لاشك أنك ترى ذلك، فغاية ما في الأمر أن هذا الثوب قد غاب وخفي عني ولم يغب ولم يخفى عنك في ذلك المكان والمقام، إذاً ليس من العيب والملامة أن يخفى علي الحق ولكن من العيب والملامة أن يظهر لي الحق ويتبين لدي ثم لا آخذ به ولا أرجع إليه.
فلا يأخذ بالحق ولا يرجع إليه بعد بيانه وظهوره له إلا صاحب فضل وفقه ورأي رشيد سديد، ولا يرفضه ولا يرده إلا صاحب هوى وجاهل لا فقه له، وحاشا أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه أن يكون من هذا الصنف، فلو كان من هذا الصنف وحاشاه، لما كان لأمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنه من قول يقال عنده، ولما قربه إليه، ولما سمع منه، ولما أخذ بما يبديه له من فقه ورأي من أصله، لا سيما وأن عمر حينئذ أمير المؤمنين ولي أمرهم راع لهم واجب السمع والطاعة له من الرعية ومنهم أمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنهما، فلو قال أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله تبارك وتعالى عنه لأمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنه: لا حاجة لي إلى قولك ورأيك وفهمك، وأمره بالكف والسكوت لكف وسكت طاعة له وللزم بيته، فليس من مثل أمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنه يرى الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين المسلم المؤمن، ولا هو ممن يشق العصا ويفارق الجماعة وينزع يده عن الطاعة ويحدث الفتنه في الامة وهو يعلم قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعه مات ميتة جاهلية )). رواه مسلم.
إذاً ما الدافع الذي دفع بأمير المؤمنين الفاروق عمر أن يأخذ بقول أمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنهما ويترك قوله ثم يقول مقولته تلك: (لولا علي لهلك عمر)؟ الجواب: فضله وفقه ورأيه الرشيد السديد، وفراسته وسياسته فيما هو الأنفع والأصلح الذي يصب في مصلحة العباد والبلاد، فهذا دليل واضح جلي لكل ذي بصر وبصيرة على فضله وفقه ومكانته السامية وترفعه عن التعصب لرأي أو قول أو فعل بعد ما تبين وظهر له الحق في خلافه وترفعه عن الكبر والعناد فيه والإصرار عليه، كما ويدل على ذكر أمير المؤمنين الفاروق عمر لفضل أمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنهما، وهو كذلك دليل واضح جلي لكل ذي بصر وبصيرة على حبهم لبعضهم البعض، وأخذهم العلم والفقه عن بعضهم البعض، وثناء بعضهم على بعض وذكر فضل بعضهم على بعض، الذي مصدره ومنشأه الإيمان والتقوى، والتسامح والتناصح والتلاحم والتراحم فيما بين بعضهم البعض لما يعينهم على صلاح دينهم وديناهم، وأماما يدل على أن أمير المؤمنين الفاروق عمر يعلم بالحكم الذي ذكره له أمير المؤمنين علي وذكره به رضي الله تبارك وتعالى عنهما، سياق ما رواه ابن عبد البر، حيث فيه تذكير أمير المؤمنين علي لأمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهما بالآية، في قوله تعالى (( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا )) ولاشك أن أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه يعلم الآية ويعلم حكمها، وكذلك حديث (( رفع القلم عن المجنون )). إذاً المسألة هو تذكير أمير المؤمنين علي لأمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهما بالحكم، وشُكر أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه لله عز وجل أولاً أن سخر له من يذكره وينبهه، ومن ثم شكره لأمير المؤمنين علي رضي الله تبارك وتعالى عنه على تذكيره وتنبيهه له كما في مقولته تلك التي رواها ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب) طبع دار الإعلام صححه وخرج أحاديثه عادل مرشد صفحة 529 ما نصه ((قال أحمد بن زهير: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفينان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن، وقال في المجنونة التي أمر برجمها، وفي التي وضعت لستة أشهر، فأراد عمر رجمها – فقال له علي: إن الله تعالى يقول: (( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً)) [ الأحقاف :15]..، الحديث، وقال له: إن الله رفع القلم عن المجنون … الحديث، فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر.
وقد روي مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس، وعن علي آخذها ابن عباس، والله أعلم. انتهى من الاستيعاب لابن عبد البر رحمه الله تبارك وتعالى.
فرضي الله تبارك وتعالى عن أمير المؤمنين الفاروق عمر، وأمير المؤمنين علي وسائر الصحابة وآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحشرنا في زمرتهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
( والحمد لله رب العالمين)
17/ محرم/1439هـ الموافق 7/10/2017م