أما من ناحية السياسة الخارجية : فإن الإمبراطورية الرومية كانت تتحين الفرصة للأخذ بالثأر من المسلمين ؛ فعند سماع الروم بأن جيش الإمام الحسن (رضي الله عنه) وجيش معاوية يستعدون للقتال ، جهزوا جيشاً عظيماً وتحركوا باتجاه البلاد الإسلامية . فهل كان على الإمام الحسن (رضي الله عنه) وهو المكلف بحفظ الإسلام إلا القبول بالصلح لدفع هذا الخطر ؟ لهذا يقول الإمام الباقر (رحمه الله) ما مضمونه : لولا صلح الحسن لتوجه إلى الإسلام خطر كبير .

ومن حيث السياسة الداخلية ، فقد رأى الإمام الحسن (رضي الله عنه) أن جميع الطرق مسدودة إلا طريق الصلح ، للأمور التالية :

أولاً : إن أصحاب الإمام الحسن (رضي الله عنه) الذين كانوا بالأمس أصحاب أبيه أمير المؤمنين (رضي الله عنه) والذين واجهوا الحروب وحملوا السلاح يوماً بعد يوم ، هؤلاء الأصحاب قد أصابهم نوع من التعب والملل من الحرب ، ومن الطبيعي أن لا يستطيع مثل هذا الجيش أن يكون فاتحاً منتصراً .

ثانياً : كان جيش الإمام (رضي الله عنه) غير منظّم وغير منسجم ، إذ كان يتكون من عناصر متضادة ، كل عنصر وفئة تسعى لأهدافها الخاصة ، هذه الأقسام هي :

    1. أصحاب الإمام علي وأصحاب الإمام الحسن (رضي الله عنهما) ، وكانوا مستعدين للحرب والتضحية .
    2. الخوارج ، وهم شاركوا جيش الإمام عداءً لمعاوية ، وليس حباً بالإمام الحسن (رضي الله عنه). وفي الحقيقة كانوا مخالفين للإمام الحسن ومعاوية ، لكن عداوتهم لمعاوية أشد ، فانضموا إلى جيش الحسن .
    3. أصحاب المكاسب والمصالح وطلّاب الدنيا ، شاركوا طلباً للربح والمنفعة ، وإذا رأوا أن مصالحهم مع الطرف الآخر مالوا إليه وحاربوا الحسن (رضي الله عنه) .
    4. الشكاكين والمترددين الذين لم يعرفوا الحق من الباطل ؛ فمثل هؤلاء لا يُرجى منهم نفع ولا فائدة .
    5. شارك بعض الناس بسبب مشاركة رئيس عشيرتهم وقبيلتهم ، فإذا غيّر رئيسهم موقفه بسبب الطمع أو التهديد فإن هؤلاء أيضاً يغيّرون موقفهم .

فهل يستطيع مثل هذا الجيش غير المنسجم أن يحقق نصراً ويصل إلى أهدافه ؟ بالطبع لا . بل إن مثل هذه الحرب لا تعود إلا بقتل أصحاب الإمام الخلّص ليس إلا .

هذا فضلاً عن حقن دماء المسلمين ، والحرص على وحدة الأمة ، مصداقاً لدعوة النبي (صلى لله عليه وسلم) له بأن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ؛ فقد روى البخاري (رحمه الله) عن أبي بكرة (رضي الله عنه) قال : رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) على المنبر ، والحسن بن علي على جنبه وهو يُقْبِل على الناس مرة وعليه مرة أخرى ، ويقول : «إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» .